شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
العرب تضمن الفعل معنى الفعل وتعديه تعديته
وكذلك الوحي يفسر بأن الوحي هو الإعلام لقوله تعالى: رسم> وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ قرآن> رسم> رسم> إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ قرآن> رسم> لأن الوحي هو الإعلام، أو أوحينا إليك أو أنزلنا إليك، فهذا أيضا مثال، كذلك إذا قيل: رسم> وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ قرآن> رسم> قضينا أي أعلمنا، وأمثال ذلك فهذه كمثال، يعني هذه تقريب لا تحقيق يقول: فإن الوحي إعلام سريع خفي، الوحي عند العرب حركة خفيفة سريعة أو كلام خفي سريع، ففسره بعضهم بالإعلام وبعضهم بالإنزال، ولا يراد بذلك جميع معاني الوحي كذلك رسم> وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ قرآن> رسم> أي أعلمنا، القضاء أخص من الإعلام فإن فيه إنزالا إليهم وإيحاء إليهم، فيكون هذا كمثال، العرب تضمن الفعل معنى الفعل وتعديه تعديته ، يعني كلمة رسم> فإذا قضيتم الصلاة قرآن> رسم> الكلمة معناها انتهيتم منها وفرغتم منها، القضاء هنا معناه الانتهاء، وكذلك قوله: رسم> وَقَضَى رَبُّكَ قرآن> رسم> أي أمر ووصى، القضاء هنا بمعنى الأمر، وكذلك قوله: رسم> وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ قرآن> رسم> أي أعلمناهم وأنزلنا عليهم، فالقضاء كلمة لها عدة معان، العرب تضمن الفعل معنى الفعل وتعديه تعديته، كلمة القضاء هنا هو الوحي.
ومن هنا غلط من جعل بعض الحروف تقوم مقام بعض، وليس كذلك، بل الحروف تتفاوت معانيها، ولو زعم بعضهم أنها مترادفة فإن كلمة حتى قد تأتي بمعنى إلى لا مطلقة وحرف إلى للانتهاء ولكن الانتهاء بحد محدود، وأشباه ذلك كما يقولون: في قوله تعالى: رسم> لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ قرآن> رسم> كلمة إلى ليست للانتهاء هنا جعلوها بمعنى مع نعاجه، وفسرت بأن معناها أن يضم نعجتك إلى نعاجه ضمها إليها يعني أضافها إليها، وكقوله: رسم> مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قرآن> رسم> إلى فسرت بمعنى مع أي مع الله، والتحقيق ما قاله نحاة البصرة من التضمين يعني مضمومة إلى نعاجه يعني سؤال النعجة يتضمن جمعها وضمها إلى نعاجه.
وكذلك قوله تعالى: رسم> وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قرآن> رسم> يفتنونك فسر بأن معناها يزيغونك وفسر بأنه يصدونك والفتنة في الأصل هي الاختبار كقوله رسم> وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا قرآن> رسم> رسم> وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قرآن> رسم> وبذلك تفسر الفتنة، وتفسر الفتنة بالشرك كقوله تعالى: رسم> ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا قرآن> رسم> وكقوله تعالى: رسم> أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قرآن> رسم> فيفتنونك يعني يختبرونك ويزيغونك ويصدونك ونحو ذلك من المعاني تدخل في الفتنة.
وكذلك قوله: رسم> وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا قرآن> رسم> ما معنى نصرناه؟ فسر بأنه نجيناه وخلصناه، فهو فعل يتضمن معنى فعل آخر وكذلك قوله يعني رسم> عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ قرآن> رسم> قيل: كيف يشرب بها؟ العادة أنهم يجعلون الباء على الإناء مثلا أو على الآلة كقوله: ضربه بالعصا أو ضربه بالحجر، وأما شرب بها فإن هذا غير مستعمل، ولكن قالوا: إن معناه أنه ضمن فعلا آخر تقديره يروى بها رسم> عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا قرآن> رسم> يروى بها، ونظائره كثيرة.
فمن قال: لا ريب في قوله تعالى: رسم> ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ قرآن> رسم> رسم> تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ قرآن> رسم> لا شك فيه الريب هو الشك فهذا تقريب، وإلا يقول الريب فيه اضطراب وحركة، الريب هو الحركة والاضطراب في العقيدة كما في الحديث: رسم> دع ما يريبك إلى ما لا يريبك متن_ح> رسم> حديث حسن مشهور وهو من جملة الأحاديث الأربعين النووية، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم مر بظبي حاقف، يعني لما كانوا محرمين هذا في عمرة الحديبية اسم> حاقف يعني مصاب أو يعني مضروب بنبل أو بسهم فقال: رسم> لا يريبه أحد وأوقف عنده رجلا يحميه متن_ح> رسم> لا أحد يريبه يعني لا أحد يؤذيه، فالريب هو الحركة فقوله: رسم> لَا رَيْبَ فِيهِ قرآن> رسم> فسر بمعنى لا شك فيه أو لا توقف.
كما أن اليقين يضمن معني السكون والطمأنينة، يقول مثلا رسم> لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ قرآن> رسم> تطمئنون إليها تسكنون إليها وكذلك قوله: رسم> وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ قرآن> رسم> أي توقنون به تتحققونه، فكما أن اليقين يضمن معنى السكون والطمأنينة فالريب ضده يضمن معنى الاضطراب والحركة، فيضمن فعل معنى فعل آخر، كذلك لفظ الشك وإن قيل إنه يستلزم هذا المعنى لكنه لا يدل عليه، الشك في الأصل هو معنى من معاني التوقف، وعدم اليقين هو الشك.
كذلك إذا قيل رسم> ذَلِكَ الْكِتَابُ قرآن> رسم> في أول سورة البقرة هذا القرآن، الأصل أن ذلك إشارة إلى الشيء البعيد ولكن القرآن حاضر وكيف أشير إليه بلفظ البعد؟ ذلك الكتاب يقولون إنها للتقريب، يعني تفسيره بكلمة هذا تقريب لأن المشار إليه وإن كان واحدا فالإشارة بنية الحضور غير الإشارة بنية البعد والغيبة، والعرب أيضا تعرف ذلك، يعني قد يشيرون بلفظ ذلك إلى شيء قريب، استشهد ابن جرير اسم> بالبيت الذي قاله خفاف بن ندبة السلمي اسم> في قوله:
..................................... | تـأمـل خفافـا إننـي أنـا ذلـك |
لفظ الكتاب يتضمن مع كونه مكتوبا ما لا يتضمنه لفظ القرآن من كونه مقروءا مظهرا باديا، يعني يسمى القرآن بلفظ الكتاب يتضمن زيادة على كلمة القرآن؛ لأنه يتضمن أنه مكتوب والقرآن يتضمن أنه مقروء؛ فكونه يتضمن مكتوبا مضموما يعني يضم بعض حروفه إلى بعض إنما يدل على ما لا يدل عليه لفظ القرآن؛ لفظ القرآن تدل على كونه مقروءا مظهرا باديا؛ لأجل ذلك كل لفظة تدل على معنى آخر، يقول فهذه الفروق موجودة في القرآن.
ثم مثل أيضا بقوله تعالى: رسم> أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ قرآن> رسم> في سورة الأنعام، تبسل أي تحبس هذا مثال أن تبسل وآخرون قالوا: تبسل أي ترتهن والرهن أيضا شبيه بالحبس، وفسرت تبسل بمعنى تُسْلَم يعني تسلم أي يسلمها صاحبها بحيث إنه: لا يستطيع أن يتخلص، في الحديث: رسم> المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه متن_ح> رسم> يعني لا يسلمه لأعدائه، هذا ليس اختلاف تضاد ولكنه اختلاف تنوع. يقول: وإن كان المحبوس قد يكون مرتهنا وقد لا يكون، تحبس ترتهن تسلم، هذا تقريب للمعنى كما تقدم.
وجميع عبارات السلف في مثل هذا نافع جدا فإن مجموع عباراتهم أدل على المقصود من عبارة أو عبارتين، فيقولون: هذا كلام فيه خلاف محقق بينهم، كما يوجد مثل ذلك في الاختلاف فكثيرا ما يوجد اختلاف تضاد لا يمكن الجمع بينهما، ولهذا فابن جرير اسم> رحمه الله يذكر أمثلة ثم تكون تلك الأخبار متضادة فيكون الصواب هو المختار، قولهم قال كذا وكذا فإذا كانت متضادة أو متقاربة، فمثلا تفسير قوله تعالى: رسم> وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ قرآن> رسم> ففسرها بعضهم بأن الخيل المسومة هي الراعية، ومنه قوله تعالى: رسم> وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ قرآن> رسم> والسائمة هي الراعية، وفسرت المسومة بأنها هي المعلمة المحسنة من السيماء، وفسرها بعضهم بأنها المعدة للقتال فجمع ابن جرير اسم> بين التفسيرين وقال إنهما بمعنى، ورد القول الثالث الذي فسرها بأنها المعدة للقتال.
كذلك أيضا فسر القنطار في قوله تعالى رسم> وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا قرآن> رسم> بتفاسير متباينة، فسره بعضهم بأنه ثمانون ألفا وفسره بعضهم بأنه ملء مسك ثور ذهبا وفسره بعضهم بأنه عشرون ألفا، ولا يمكن الجمع بينهم فجمع بينهم ابن جرير اسم> أن المراد بالقنطار المال الكثير من غير أن يحدد بحد، كذلك أيضا يكثر تفسير بعض الكلمات العربية التي كانوا في الجاهلية يختلفون في تفسيرها مثل تفسيرهم لقوله تعالى: رسم> مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ قرآن> رسم> ذكروا فيها عدة أقوال، ولكن حيث إنها من الأمور الجاهلية لم يحتج إلى ترجيح بعضها من بعض، وأشباه ذلك.
مسألة>