وكذلك الوحي يفسر بأن الوحي هو الإعلام لقوله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ
لأن الوحي هو الإعلام، أو أوحينا إليك أو أنزلنا إليك، فهذا أيضا مثال، كذلك إذا قيل:
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ
قضينا أي أعلمنا، وأمثال ذلك فهذه كمثال، يعني هذه تقريب لا تحقيق يقول: فإن الوحي إعلام سريع خفي، الوحي عند العرب حركة خفيفة سريعة أو كلام خفي سريع، ففسره بعضهم بالإعلام وبعضهم بالإنزال، ولا يراد بذلك جميع معاني الوحي كذلك
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ
أي أعلمنا، القضاء أخص من الإعلام فإن فيه إنزالا إليهم وإيحاء إليهم، فيكون هذا كمثال، العرب تضمن الفعل معنى الفعل وتعديه تعديته ، يعني كلمة
فإذا قضيتم الصلاة
الكلمة معناها انتهيتم منها وفرغتم منها، القضاء هنا معناه الانتهاء، وكذلك قوله:
وَقَضَى رَبُّكَ
أي أمر ووصى، القضاء هنا بمعنى الأمر، وكذلك قوله:
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ
أي أعلمناهم وأنزلنا عليهم، فالقضاء كلمة لها عدة معان، العرب تضمن الفعل معنى الفعل وتعديه تعديته، كلمة القضاء هنا هو الوحي.
ومن هنا غلط من جعل بعض الحروف تقوم مقام بعض، وليس كذلك، بل الحروف تتفاوت معانيها، ولو زعم بعضهم أنها مترادفة فإن كلمة حتى قد تأتي بمعنى إلى لا مطلقة وحرف إلى للانتهاء ولكن الانتهاء بحد محدود، وأشباه ذلك كما يقولون: في قوله تعالى: لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ
كلمة إلى ليست للانتهاء هنا جعلوها بمعنى مع نعاجه، وفسرت بأن معناها أن يضم نعجتك إلى نعاجه ضمها إليها يعني أضافها إليها، وكقوله:
مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ
إلى فسرت بمعنى مع أي مع الله، والتحقيق ما قاله نحاة البصرة من التضمين يعني مضمومة إلى نعاجه يعني سؤال النعجة يتضمن جمعها وضمها إلى نعاجه.
وكذلك قوله تعالى: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
يفتنونك فسر بأن معناها يزيغونك وفسر بأنه يصدونك والفتنة في الأصل هي الاختبار كقوله
وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
وبذلك تفسر الفتنة، وتفسر الفتنة بالشرك كقوله تعالى:
ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا
وكقوله تعالى:
أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
فيفتنونك يعني يختبرونك ويزيغونك ويصدونك ونحو ذلك من المعاني تدخل في الفتنة.
وكذلك قوله: وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا
ما معنى نصرناه؟ فسر بأنه نجيناه وخلصناه، فهو فعل يتضمن معنى فعل آخر وكذلك قوله يعني
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ
قيل: كيف يشرب بها؟ العادة أنهم يجعلون الباء على الإناء مثلا أو على الآلة كقوله: ضربه بالعصا أو ضربه بالحجر، وأما شرب بها فإن هذا غير مستعمل، ولكن قالوا: إن معناه أنه ضمن فعلا آخر تقديره يروى بها
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا
يروى بها، ونظائره كثيرة.
فمن قال: لا ريب في قوله تعالى: ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ
لا شك فيه الريب هو الشك فهذا تقريب، وإلا يقول الريب فيه اضطراب وحركة، الريب هو الحركة والاضطراب في العقيدة كما في الحديث:
دع ما يريبك إلى ما لا يريبك
حديث حسن مشهور وهو من جملة الأحاديث الأربعين النووية، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم مر بظبي حاقف، يعني لما كانوا محرمين هذا في عمرة الحديبية حاقف يعني مصاب أو يعني مضروب بنبل أو بسهم فقال:
لا يريبه أحد وأوقف عنده رجلا يحميه
لا أحد يريبه يعني لا أحد يؤذيه، فالريب هو الحركة فقوله:
لَا رَيْبَ فِيهِ
فسر بمعنى لا شك فيه أو لا توقف.
كما أن اليقين يضمن معني السكون والطمأنينة، يقول مثلا لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ
تطمئنون إليها تسكنون إليها وكذلك قوله:
وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ
أي توقنون به تتحققونه، فكما أن اليقين يضمن معنى السكون والطمأنينة فالريب ضده يضمن معنى الاضطراب والحركة، فيضمن فعل معنى فعل آخر، كذلك لفظ الشك وإن قيل إنه يستلزم هذا المعنى لكنه لا يدل عليه، الشك في الأصل هو معنى من معاني التوقف، وعدم اليقين هو الشك.
كذلك إذا قيل ذَلِكَ الْكِتَابُ
في أول سورة البقرة هذا القرآن، الأصل أن ذلك إشارة إلى الشيء البعيد ولكن القرآن حاضر وكيف أشير إليه بلفظ البعد؟ ذلك الكتاب يقولون إنها للتقريب، يعني تفسيره بكلمة هذا تقريب لأن المشار إليه وإن كان واحدا فالإشارة بنية الحضور غير الإشارة بنية البعد والغيبة، والعرب أيضا تعرف ذلك، يعني قد يشيرون بلفظ ذلك إلى شيء قريب، استشهد ابن جرير بالبيت الذي قاله خفاف بن ندبة السلمي في قوله:
..................................... | تـأمـل خفافـا إننـي أنـا ذلـك |